في ضوء الركود الاقتصادي العالمي والوباء الصحي الذي يبعث على القلق، أسفرت مجموعة متنوعة من المشاكل المتعلقة بالبنية التحتية والتنمية عن الضغط على كثير من اقتصادات العالم. ولا تزال العديد من المشكلات ذات الصلة بالتنمية عالقة بلا حلول نظراً للقيود المختلفة المتعلقة بالأزمات الخارجية.
واستناداً إلى ذلك، فإن الطبيعة الاقتصادية الريعية لدول الخليج وآثارها المترتبة على المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى قد أسفرت عن إنتاج مجموعة وافرة من النقاشات ذات الطبيعة الخلافية بشأن مفاهيم مثل الاستثمارات الإنتاجية والتوظيف المستدام و"لعنة الموارد" والمبادرة الخاصة. وقد أضحت الشراكات بين القطاعين العام والخاص، في الآونة الأخيرة، من الموضوعات البارزة في المناقشات المتكررة التي تحاول بحث سبل وضع دول مثل المملكة العربية السعودية في مسار مختلف وجديد سعياً لتطوير البنية التحتية المستدامة.
تسعى هذه المدونة إلى تحديد الخطوط العريضة لأبرز التحديات والتطورات التي تواجه بلدان الخليج فيما يتعلق بهذا الموضوع، إلى جانب توفير إجراءات السياسات المستندة إلى الأدلة لأي قيود مرجحة قيد الدراسة.
مظاهر التقدم والمعوقات
يسلّط كتيّب أعدّته "تنمية القطاع الخاص" بعنوان "الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" الضوء على القدرة على القيام بمثل هذه الترتيبات لمضاعفة الابتكارات في القطاع الخاص وتقديمها نيابة عن القطاع العام. وينطبق هذا الأمر بصفة خاصة على بلدان مثل المملكة العربية السعودية، التي تفتقر عموماً إلى القدرات الفنية والكفاءة والتنظيم لإطلاق خدمات في هذا الإطار. ويوضح التقرير كذلك بعض القيود التي فرضتها الاضطرابات السياسية في المنطقة ومجموعة واسعة من العقبات القانونية المتعلقة بديناميات النخبة. وفي واقع الأمر، يجب إزالة هذه العقبات إذا كان الهدف المطروح يتعلق بجذب الاستثمار.
ومن المثير للاهتمام أنّ تقريراً أعدّه أوليفر وايمان بعنوان "الاستثمار الخاص عنصر أساسي لإفساح المجال لرأس المال طويل الأجل للبنية التحتية الخليجية" يتناول بالضبط بعض مظاهر التقدم هذه داخل المملكة العربية السعودية، حيث أقتُرِح مشروع قانون مشاركة القطاع الخاص وبدأ العمل عليه في عام 2019. ونظراً لأن القانون يهدف إلى مضاعفة حماية المستثمرين وتعظيم الشفافية، فقد وُضِع بصفته مقياساً مرجعياً للوصول إلى رؤية السعودية 2030. إلا أنّ تحدياً آخر يطرحه التقرير يأخذ في الاعتبار لوائح وأطُر البنية التحتية للشراكة بين القطاعين العام والخاص المتخلفة نسبياً في بلدان مثل قطر والسعودية. كما أكد التقرير على الحاجة المُلحّة لهذه الأنواع من الأطُر لاستيعاب النمو السكاني في المنطقة. إذ إنه بينما أثبتت الموارد المعدنية فعاليتها في تطوير القطاعات الرئيسية لهذه البلدان، فإن التنويع الذي توجهه الدولة (بالإضافة إلى المبادرة الخاصة) ضروري للاستجابة للأزمات غير المتوقعة.
ويتمثل أحد الأمثلة على ذلك، والذي أُبرِزَ في استعراض عام أعدّته شركة التميمي وشركاه، في تطوير البنية التحتية الصحية في البلاد. إذ تتضمن هذه الخطة، على سبيل المثال لا الحصر، زيادة حصة القطاع الخاص من الإنفاق على الرعاية الصحية، وخصخصة مدينة طبية بأكملها جزئياً عبر مشروع قانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص جرت صياغته بصورة ملائمة، وتحديث فائدة وكفاءة خدمات المختبرات المتعلقة بالبحوث بالتشاور مع المهنيين والفنيين داخل القطاع الخاص.
التنبؤات والحلول المقترحة
بالنظر إلى مظاهر التطور الخاصة والعامة هذه، يبدو الاتجاه الذي تتخذه المملكة والدول المجاورة الأخرى واعداً ومبشراً. إلا أنّ التحديات المذكورة آنفاً تقترن معها مصاعب متواترة تتعلق بالصحة (مثل جائحة فيروس كورونا)، والاستقرار الإقليمي (معضلة الخليج وإيران)، والمبادرة الشخصية والفرص السياسية، والقضايا العامة ذات الصلة بمعايير "الحكم الرشيد" العامة. وفي حين أن بعض الظروف قد تبدو خارج نطاق السيطرة، فإن الكثير من هذه الظروف لها علاقة بالسياسات والقرارات والأولويات المدروسة التي يتخذها واضعو السياسات في هذه الدول.
وبُغية تقديم حل يتّسم بالحذر، أستفيد من دراسة حالة الحمادي في المملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع قراءتي المذكورة أعلاه. إذ إنه غالباً ما يتضمن القرار بشأن هذه المناقشات المتكررة إيجاد قدر كافٍ من الإرادة السياسية بين المسؤولين الحكوميين لبناء الدافع للاستثمار في تنفيذ الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفضلاً عن ذلك، من الضروري أيضاً تطوير وإضفاء الطابع الرسمي على مختلف الإجراءات المؤسسية والتنظيمية والقانونية ذات الصلة بالشركات المنشودة وعلاقتها بالدوائر ذات الطابع البيروقراطي.